أهمية طبقة الأوزون والمخاطر الناجمة عن اضمحلالها

تُعد طبقة الأوزون إحدى الطبقات الجوية ذات الأهمية البالغة للحياة على سطح الأرض، حيث تؤدي دورًا جوهريًا في حماية الكائنات الحية من الإشعاعات الشمسية الضارة، ولا سيما الأشعة فوق البنفسجية. تقع هذه الطبقة في الجزء العلوي من الغلاف الجوي، وتحديدًا في الستراتوسفير، وتمتد على ارتفاع يتراوح بين 15 و35 كيلومترًا فوق سطح الأرض. تتكوّن طبقة الأوزون أساسًا من جزيئات الأوزون (O₃)، التي تتكوّن بدورها من ثلاث ذرات من الأوكسجين، وتمتاز بقدرتها على امتصاص الأشعة فوق البنفسجية (UV) ذات الأطوال الموجية القصيرة، ما يحول دون وصول النسبة العظمى منها إلى سطح الأرض.

تتضح أهمية طبقة الأوزون في الحفاظ على التوازن البيئي والصحي والفيزيائي لكوكب الأرض، كما أن التهديدات التي تتعرض لها هذه الطبقة منذ منتصف القرن العشرين تُعد من أبرز التحديات البيئية التي دفعت المجتمع الدولي إلى تبني معاهدات واتفاقيات دولية في سبيل الحد من العوامل المؤدية إلى تآكلها واضمحلالها. سنستعرض في هذا المقال بالتفصيل أهمية طبقة الأوزون، وآليات عملها، والأسباب التي تؤدي إلى تآكلها، والمخاطر التي تنجم عن ذلك، بالإضافة إلى الجهود العالمية المبذولة لحمايتها.

أولاً: ما هي طبقة الأوزون؟

طبقة الأوزون ليست طبقة مادية كثيفة بالمعنى الحرفي، بل هي منطقة في الغلاف الجوي تحتوي على تركيز مرتفع نسبيًا من جزيئات الأوزون. يتكون الأوزون عندما تتفاعل جزيئات الأوكسجين (O₂) مع الأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس، مما يؤدي إلى تفككها إلى ذرتين منفردتين من الأوكسجين، ترتبط كل واحدة منهما بجزيء أوكسجين آخر لتكوين الأوزون.

تمتاز هذه الطبقة بقدرتها الفائقة على امتصاص ما بين 97% إلى 99% من الإشعاع فوق البنفسجي من نوع UV-B وUV-C، وهي الأنواع الأكثر ضررًا على الكائنات الحية. وبدون هذه الحماية، كانت الحياة على سطح الأرض لتواجه خطر الانقراض الجماعي بسبب المستويات العالية من الإشعاع.

ثانياً: أهمية طبقة الأوزون

1. حماية الإنسان من الأمراض الجلدية والعينية

من أبرز وظائف طبقة الأوزون هو تقليص التعرض للأشعة فوق البنفسجية التي تتسبب في حدوث العديد من الأمراض الجلدية، مثل سرطان الجلد وشيخوخة الجلد المبكرة. كما تؤدي هذه الأشعة إلى إعتام عدسة العين (الساد)، الذي يُعد من الأسباب الرئيسية للعمى في العالم. كما أن ارتفاع معدلات هذه الأشعة يمكن أن يُضعف الجهاز المناعي للإنسان.

2. حماية الأنظمة البيئية والكائنات الدقيقة

الكائنات الدقيقة، ولا سيما العوالق النباتية (Phytoplankton)، تتأثر بشكل كبير بالأشعة فوق البنفسجية. وهذه الكائنات تمثل حجر الزاوية في السلسلة الغذائية البحرية. تراجع أعدادها يؤدي إلى اختلالات واسعة في النظام البيئي البحري. كما تتضرر النباتات أيضًا من هذه الأشعة، ما يؤثر سلبًا على الإنتاج الزراعي والنظم البيئية البرية.

3. استقرار المناخ

طبقة الأوزون تسهم بشكل غير مباشر في استقرار المناخ من خلال توازن الطاقة الشمسية الداخلة إلى الأرض، كما أن اضطرابها قد يؤدي إلى تغييرات في أنماط دوران الرياح وتوزيع درجات الحرارة في الستراتوسفير، ما يؤثر بدوره على الأحوال الجوية والمناخية في التروبوسفير (الطبقة الدنيا من الغلاف الجوي).

4. دعم التوازن الكيميائي في الغلاف الجوي

تشارك جزيئات الأوزون في عدد من التفاعلات الكيميائية في الستراتوسفير، التي تحافظ على التوازن بين مكونات الغلاف الجوي، مثل الأوكسجين والنيتروجين والميثان. اختلال هذه التفاعلات بسبب نقص الأوزون يؤدي إلى تكوّن مركبات ضارة أخرى، مثل أكاسيد النيتروجين، التي تسهم في الاحتباس الحراري وتلوث الهواء.

ثالثاً: الأسباب الرئيسية لاضمحلال طبقة الأوزون

1. مركبات الكلوروفلوروكربونات (CFCs)

أكثر الأسباب شهرةً وضررًا هي مركبات الكلوروفلوروكربونات، التي تُستخدم في التبريد، والتكييف، والرغويات، وبعض المواد الدافعة في الأيروسولات. عند انبعاث هذه المركبات إلى الغلاف الجوي، فإنها تبقى مستقرة لسنوات طويلة حتى تصل إلى الستراتوسفير، حيث تتفكك بفعل الأشعة فوق البنفسجية، مطلقةً ذرات الكلور التي تُهاجم جزيئات الأوزون وتُدمرها.

2. مركبات الهالونات

تُستخدم الهالونات في أجهزة إطفاء الحريق، وتُعد أكثر ضررًا على الأوزون من CFCs لأنها تحتوي على عنصر البروم، الذي يدمر جزيئات الأوزون بكفاءة أكبر.

3. أكاسيد النيتروجين

تنبعث هذه المركبات من محركات الطائرات، وبعض الصناعات الثقيلة، كما تتولد من خلال استخدام الأسمدة النيتروجينية. تدخل هذه المركبات في تفاعلات كيميائية تدمر الأوزون.

4. النشاطات البركانية

بعض الانفجارات البركانية القوية تطلق كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين إلى الغلاف الجوي، والتي تسهم في تسريع تفاعلات تدمير الأوزون، خصوصًا عند التفاعل مع مركبات الهالوجين.

5. ارتفاع درجات الحرارة في الستراتوسفير

الاحترار المناخي يؤدي إلى تغييرات في ديناميكية الغلاف الجوي، منها ما يزيد من سرعة صعود المركبات الضارة إلى طبقات الجو العليا، أو يُفاقم من التفاعلات الكيميائية التي تُضعف الأوزون.

رابعاً: المخاطر الناجمة عن اضمحلال طبقة الأوزون

تتضح جسامة هذه المخاطر في كونها لا تقتصر على الإنسان وحده، بل تطال كافة أشكال الحياة على الأرض، وتشمل الأنظمة الإيكولوجية، والمناخ، والغطاء النباتي، وحتى مصادر المياه، ما يجعل من حماية طبقة الأوزون ضرورة عالمية مصيرية.

خامساً: الجهود الدولية لحماية طبقة الأوزون

منذ اكتشاف ثقب الأوزون فوق القارة القطبية الجنوبية في ثمانينيات القرن الماضي، تحرك المجتمع الدولي بشكل غير مسبوق لمواجهة هذه الكارثة البيئية.

1. بروتوكول مونتريال (1987)

يُعد هذا البروتوكول أحد أنجح الاتفاقيات البيئية الدولية، وهدفه الأساسي هو التحكم في إنتاج واستهلاك المواد المستنفدة للأوزون، مثل CFCs والهالونات. نجح البروتوكول في حشد معظم دول العالم، وأدى إلى انخفاض ملموس في مستويات هذه المركبات.

2. تعديل كيغالي (2016)

جاء هذا التعديل كخطوة إضافية لمواجهة الغازات البديلة لمركبات CFCs، مثل الهيدروفلوروكربونات (HFCs)، التي لا تؤثر على الأوزون، لكنها تساهم في الاحتباس الحراري. لذلك، جاء الاتفاق لتقليل استخدامها تدريجيًا.

3. السياسات الوطنية

كثير من الدول تبنّت سياسات وتشريعات داخلية تحظر استيراد أو تصنيع أو استخدام المواد الضارة بطبقة الأوزون، إضافة إلى حملات توعية ودعم للابتكار في مجالات التبريد والتكييف باستخدام بدائل صديقة للبيئة.

سادساً: مؤشرات التعافي والتحديات المستقبلية

تشير تقارير برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظمة الأرصاد الجوية العالمية إلى أن طبقة الأوزون بدأت تظهر بوادر تعافٍ بطيء منذ مطلع القرن الحادي والعشرين، ومن المتوقع أن تعود إلى مستوياتها الطبيعية بحلول منتصف القرن الحالي إذا استمرت الالتزامات الدولية.

مع ذلك، لا تزال هناك تحديات عديدة، منها:

• الالتزام الكامل من الدول النامية التي ما زالت تستخدم بعض المركبات الضارة.

• التهديدات الناشئة من تغير المناخ وتأثيره على ديناميكية الغلاف الجوي.

• الاستخدام غير المشروع للمركبات المحظورة في بعض القطاعات الصناعية.

سابعاً: دور الفرد والمجتمع في الحفاظ على طبقة الأوزون

بالرغم من أن الإجراءات الحكومية والدولية لها الدور الأكبر في مكافحة تآكل الأوزون، إلا أن سلوكيات الأفراد والمجتمعات تلعب دورًا مكملًا وحاسمًا، من خلال:

• تجنب شراء المنتجات التي تحتوي على مركبات CFCs أو HFCs الضارة.

• صيانة أجهزة التبريد والتكييف لتقليل تسرب الغازات.

• دعم الابتكارات الصديقة للبيئة واستخدام الطاقة النظيفة.

• المشاركة في حملات التوعية البيئية والمطالبة بسياسات أكثر صرامة.

المصادر والمراجع

1. United Nations Environment Programme (UNEP), Protecting the Ozone Layer: The Vienna Convention and the Montreal Protocol, 2022.

2. World Meteorological Organization (WMO), Scientific Assessment of Ozone Depletion: 2022 Global Report.